الملاحظة كأسلوب في البحث العلمي: مزاياها وعيوبها

يمثِّل البحث العلمي أحد النشاطات الإنسانية الهامة لتطوُّر البشرية، فمع التطورات الحاصلة في مجالات الحياة المختلفة تطوَّرت أساليب البحث العلمي؛ وذلك بهدف تنظيم تفكير الإنسان وترتيبه وفق قواعد موضوعية سليمة بعيدة عن الذاتية والتقييمات الشخصية تنتقل به من أشياء يجهلها إلى معلومات أكيدة، فالفهم هو العملية الأساسية التي تستند إلى البحث العلمي في الوصول إلى حقيقة ظاهرة ما وإدراكها بشكل واعٍ، فدون تحقيق الفهم الصحيح لن يستطيع الإنسان إصدار حكمه الصحيح أو ينتهي إلى تعميم أو جعل نتيجته قاعدة عامة.



إذاً يمكننا القول إنَّ عملية البحث عن المعرفة والمعلومات الأكيدة لم تعد عملية عشوائية ارتجالية غير مخططة يقوم بها الفرد حسب رؤيته الشخصية؛ بل أصبحت أسلوباً علمياً يخضع لأسس علمية واضحة ولقواعد تحكمه وتنظم سيره، فالبحث العلمي حالياً هو جزء أساسي من حياة كل مجتمع، وقد بلغ الاهتمام به لقيام الدول برصد الموازنات الخاصة به وتشكيل هيئات ومؤسسات خاصة تُعنى به وتطويره.

البحث العلمي هو وسيلة وليس غاية، وهو محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها في كل مكان، والتحقق منها والتعرف إلى العوامل التي أدت إلى وقوعها؛ وذلك بالاعتماد على الدقة والموضوعية والمهارة والأمانة والإخلاص، ومن أجل الخروج بنتائج أو الوصول إلى حل أو علاج للمشكلة ثم ترتيبها وعرضها في نسق مفهوم لتسهم في مسيرة تطور البشرية.

تتعدد أدوات البحث العلمي ومنها:

  • الملاحظة: التي تقوم على ملاحظة الظواهر ورصدها.
  • المقابلة: يقوم الباحث هنا بإعداد مجموعة من الأسئلة لكي يتم طرحها على فرد واحد أو مجموعة أفراد حسب موضوع البحث.
  • الاستبيانات: هي أكثر أساليب البحث العلمي شيوعاً واستخداماً، وتحتوي على عدد من الأسئلة ويتم توزيعها على عينة البحث ومن ثم يتم تحليل النتائج والوصول إلى نتيجة، وتُستخدم عندما تكون عينة البحث كبيرة.
  • الاختبارات: عبارة عن مجموعة أسئلة يتم استخدامها لقياس صفات معينة مثل الذكاء وسواه.

الملاحظة بوصفها أسلوباً في البحث العلمي:

البحث العلمي كما أشرنا في المقدمة هو التحري عن حقيقة الأشياء ومكوناتها وأبعادها، فهو وسيلة للوصول إلى الحقيقة النسبية واكتشاف الروابط بين الظواهر المختلفة ودرجة ذلك الارتباط، وتُعَدُّ الملاحظة من أقدم وأهم وأكثر أساليب البحث العلمي شيوعاً واستخداماً، لا سيما في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهي وسيلة مثلى للبحث عن السلوكات العقلية والمشاعر والاتجاهات المختلفة.

تكتسب الملاحظة أهميتها الخاصة في أنَّها واحدة من الوسائل القليلة التي توصل إلى معلومات لا يمكن لوسائل أخرى الحصول عليها مثل دراسة أو ملاحظة سلوك أحد العاملين أو رصد سلوك طالب في موقف ما أو ملاحظات الانفعالات لدى إنسان ما في موقف اجتماعي محدد.

عرَّف "عبد القادر مندو" في كتابه (منهجية البحث العلمي) الملاحظة بالقول: "إنَّها عملية مراقبة لسلوك الظواهر والأحداث ومكوناتها المادية والبيئية ومتابعة سيرها واتجاهها وعلاقاتها بأسلوب علمي منظم وهادف ومخطط بقصد تفسير العلاقة بين المكونات والتنبؤ بسلوك الظاهر أو الحدث وتوجيهها لخدمة أغراض الإنسان وتلبية متطلباته".

شروط الملاحظة العلمية:

  1. تحديد الهدف من القيام بالملاحظة.
  2. تحديد الحدود الزمانية والمكانية للملاحظة؛ أي تحديد مجتمع البحث الذي سوف تتم ملاحظته.
  3. قيام الباحث بإعداد بطاقة خاصة للملاحظة، وذلك لتسجيل المعلومات والبيانات التي قام بملاحظتها.
  4. إعادة الملاحظة أكثر من مرة للتأكد من صحتها ودقتها.
  5. تسجيل الباحث الذي يقوم بالملاحظة ما يلاحظه تسجيلاً مباشراً كي لا ينسى شيئاً من تلك المعلومات أو تتعرض تلك المعلومات للتشويش مع مرور الوقت.
  6. التركيز على مجتمع البحث بالتحديد إن أمكن دون التشعب في المجتمع الكبير.
  7. تحليل البيانات التي قام الباحث باستخراجها من مجتمع الدراسة والتوصل من خلالها إلى نتائج وكتابة التقارير عنها.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

أنواع الملاحظة العلمية:

1. الملاحظة البسيطة:

هي الملاحظة غير المضبوطة بشكل مسبق ودون استخدام أدوات دقيقة للتسجيل أو تصوير الحدث؛ إذ يقوم الباحث فيها بملاحظة الأحداث والظواهر كما تحدث بشكل بسيط وتلقائي، ويُستخدم هذا النوع في الدراسات الاستكشافية الاستطلاعية التي يكون الهدف منها جمع معلومات أولية عن الظواهر تمهيداً لدراستها بشكل معمق وبصيغة مضبوطة في المستقبل.

2. الملاحظة المنظمة:

هي النوع الذي يجري وفقاً لطريقة محددة مضبوطة؛ إذ تخضع لقواعد الضبط العلمي بدرجة كبيرة، وتُحدد فيها البيانات المطلوب جمعها والظروف الزمانية والمكانية التي يجب أن تجري فيها، كما يستعان بأدوات تسجيل دقيقة مثل مسجل للصوت أو التقاط الصور لتوثيق الأحداث بواسطة كاميرا، فهي الملاحظة التي تقوم من أجل جمع بيانات دقيقة عن الظاهرة موضوع البحث، وتُقسم الملاحظة المنظمة إلى نوعين من الملاحظات؛ الأولى الملاحظة بالمشاركة، والثانية الملاحظة دون المشاركة.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين المهارات التحليلية والاستفادة منها

3. الملاحظة دون المشاركة:

يكون دور الملاحظ هنا مشاهداً فقط بالنسبة إلى الظاهرة المدروسة، فهو يتضمن فقط المراقبة من خلال النظر والاستماع دون أن يشارك في أي تفصيل أو يعرض رأياً أو يكون له أي دور في تغيير مسار الأحداث، لكن بالمقابل يؤخذ على هذه الطريقة أن تجعل الملاحظ يواجه صعوبة في فهم وإدراك كافة جوانب الموضوع المدروس، فقد لا يستطيع قراءة سلوكات المفحوصين بشكل جيد ومعرفة دلالاتها بالضبط.

4. الملاحظة المشاركة:

يؤدي الملاحظ هنا دوراً إيجابياً وفعالاً؛ إذ يقوم غالباً بالعيش مع أفراد العينة ومشاركتهم حياتهم والنشاطات التي يقومون بها وكأنَّه فرد حقيقي منهم، ويمتاز هذا النوع من الملاحظة بصدق بياناته وواقعيتها؛ إذ تم جمع البيانات في بيئتها الحقيقية واستطاع الباحث من خلال العيش مع جماعة تفهُّم سلوك أفرادها وقراءة معانيها بالضبط ومناقشة أفرادها بموضوعات حساسة لا يجرؤ الباحث غير المشارك بالقيام بها.

لكن بالمقابل تتطلب توفُّر قدرات كبيرة لدى الملاحظ، مثل القدرة على الدخول إلى الجماعة دون إثارة الشكوك، فقد تكون الجماعة التي يرغب بدراستها لها سلوكات خطيرة مثل جماعة الإدمان على المخدرات، فإن لم يتحلَّ الباحث بالحذر فقد يعرِّض حياته للخطر فيما إذا اكتشفت الجماعة هويته الحقيقية.

خطوات توضِّح كيفية تطبيق أداة الملاحظة العلمية في البحث العلمي:

  1. جمع البيانات عن الموضوع المراد دراسته بشكل مسبق، فعلى الباحث أن يقرر الظواهر التي يريد أن يطلع عليها والبيانات التي يريد البحث عنها ويحدد الجوانب التي يريد الذهاب إليها لجمع معلوماته.
  2. يجب على الملاحظ أن يحدد الأهداف العامة والأهداف الفرعية لبحثه، فإنَّ تحديد الأهداف سوف يعمل على مساعدة الملاحظ على تحديد الجوانب التي يجب أن يركز عليها خلال البحث، إضافة إلى ما سوف يكتشفه خلال ممارسته للملاحظة، كما أنَّ ذلك سوف يساعده على الاحتفاظ بالموضوعية في بحثه.
  3. على الملاحظ اختيار طريقة دقيقة لتسجيل ملاحظاته، ويصر الجميع عند اتباع هذه الطريقة في البحث العلمي على ضرورة تسجيل الملاحظات مباشرةً فور مشاهدتها، لكن بإمكان الباحث - على الرغم من ذلك وبهدف تحقيق الاستفادة المثلى من الوقت المخصص للملاحظة - إعداد قائمة محددة بالأمور والأشياء التي يجب عليه ملاحظتها بشكل أساسي، إضافة إلى ترك فراغ في ورقة التسجيل لكتابة الأشياء والظواهر التي لم يكن يتوقع مشاهدتها وحدثت بالفعل.
  4. تحديد المعلومات وتسجيل بجانبها العبارات التي يصفها، إضافة إلى تدوين الظواهر الرقمية والعبارات الوصفية، كما يجب تدوين التفسيرات التي توضِّح كلاً منها بدقة.
  5. على الملاحظ أن يرتب الظواهر بشكل مستقل بحيث يستطيع أن يميز كل مجموعة عن الأخرى وكل صفة من الصفات التي يريد دراستها عن غيرها كي لا يتم الخلط بينها في أثناء تحليل النتائج وإعطاء التقييمات.
  6. استخدام أدوات دقيقة في تسجيل الملاحظات والتدرب عليها بشكل جيد قبل البدء بالعمل عليها في أثناء القيام بالبحث.
  7. تقييد الملاحظ بتسجيل الملاحظات حسب حدوثها وبالوقت نفسه بكل دقة وأمانة دون أن يقوم بأيَّة إضافة من عنده ليس لها ضرورة إلا بعض التفسيرات التي تُعَدُّ ضرورية لتوضيح الغاية من البيانات المجموعة، ومن الجدير بالذكر هنا حدوث بعض السلبيات فقد يفوِّت الملاحظ هنا تسجيل بعض الأمور التي تحدث في أثناء انشغاله بالتدوين، كما أنَّ قيامه بذلك قد يدفع بالأفراد الخاضعين للملاحظة للشعور بعدم الراحة، وهذا يجعلهم يتخذون منه موقفاً سلبياً؛ لذا يمكن للباحث أن يعمد في تسجيله للملاحظات على آلات تسجيل أو كاميرا تصوير بحيث لا تؤثر في نفوس الأفراد وتمنعهم من التعاون.
  8. خضوع القائمين بالملاحظة للتدريب فهو الأداة الأساسية لنجاح الملاحظة؛ لذا يجب تدريبهم على طريقة إعداد الدراسة، وكيف يحددون أغراضها، والجوانب التي يجب عليهم أن يتناولوها، والأسئلة التي يجب أن يطرحوها، وأساليب الترتيب التي يجب اتباعها.
  9. يجب على الملاحظ متابعة السلوك المراد دراسته لفترة جيدة من الزمن دون الملل من المراقبة.

شاهد بالفديو: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة

مزايا وعيوب طريقة الملاحظة:

المزايا:

  • أفضل طريقة لدراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية والحصول على معلومات دون وسيط.
  • تعتمد على ملاحظة الظواهر التي تحدث حالياً؛ أي في الوقت الحاضر وليس حوادث تمت وانتهت في الماضي.
  • لا تتطلب جهداً كبيراً من قِبل الملاحظ، كما أنَّها لا تحتاج إلى عدد كبير من الملاحظين؛ إذ يمكن أن يقوم بها فرد واحد.
  • تمكِّننا الملاحظة من الحصول على معلومات لا تسمح بالحصول عليها أدوات أخرى مثل الاستبيانات أو الاختبارات.
  • تحقق الملاحظة الفهم العميق والدقيق للظواهر المختلفة.
إقرأ أيضاً: جدولة الأعمال بفاعلية: خطّط لأفضل استثمار لوقتك

العيوب:

  • من أكثر سلبيات الملاحظة قيام المفحوص بغش الباحث والتمثيل عليه لإعطائه انطباعاً غير الواقع، وذلك لإدراكه بقيام الملاحظ بمراقبته.
  • اندماج الباحث وتأثُّره بالمجموعة قد يؤثر في موضوعيته والأحكام التي يطلقها في نهاية البحث.
  • ظهور عوامل فجائية تعوق الملاحظة مثل العوامل الجوية.
  • من الصعب التنبؤ بالظواهر التي يمكن أن تحدث في أثناء الملاحظة.
  • طريقة الملاحظة محكومة بزمان ومكان محددين؛ لذا فمن الممكن أن تستغرق زمناً طويلاً.

في الختام:

استخدم الإنسان الملاحظة منذ القدم حتى أصبحت في وقتنا الحالي من أهم الوسائل والأساليب المستخدمة في البحث العلمي، فهي جهد عقلي يقوم من خلالها الباحث بملاحظة ومراقبة الظاهرة التي يريد دراستها للحصول على المعلومات الدقيقة عنها واستخدامها في بحثه للوصول إلى استنتاجات معينة تسهم في حل مشكلة مطروحة خلال البحث.




مقالات مرتبطة